شرك التشريع
- أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وفي عنقي صليبٌ من ذَهبٍ. فقالَ يا عديُّ اطرح عنْكَ هذا الوثَنَ وسمعتُهُ يقرأُ في سورةِ براءةٌ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ أما إنَّهم لم يَكونوا يعبدونَهم ولَكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لَهم شيئًا استحلُّوهُ وإذا حرَّموا عليْهم شيئًا حرَّموه
الراوي : عدي بن حاتم الطائي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم : 3095 | خلاصة حكم المحدث : حسن | التخريج : أخرجه الترمذي (3095)
حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أصحابَه على أنْ يَترُكوا عاداتِ الجاهليَّةِ وأوثانَها، وكان صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَنْهاهم عن التَّشبُّهِ بالمشركينَ أو اليهودِ أو النَّصارى، ومن ذلك ما جاءَ في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ عديُّ بنُ حاتمٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أتَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وفي عُنُقي صَليبٌ مِن ذهَبٍ"، أي: وقد علَّقْتُ في عُنقي سلسلةً فيها صليبٌ مِن ذهَبٍ، والصَّليبُ شِعارُ النَّصارى، وكان عديُّ بنُ حاتمٍ نصرانيًّا، ثمَّ جاءَ فأسلَم، "فقال"، أي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لعدِيِّ بنِ حاتمٍ: "يا عديُّ، اطرَحْ عنكَ هذا الوَثَنَ"، أي: انزِعْ عنكَ هذا الصَّليبَ وأَلْقِه، والوَثَنُ هو الصَّنَمُ، وكلُّ ما جَسَّدَ شيئًا فهو وَثَنٌ، سواءٌ كان مِن طينٍ أو حجارةٍ، أو خشَبٍ أو حديدٍ، "وسَمِعْتُه يقرَأُ في سورةِ بَرَاءةَ"، أي: وسمِعَ عديُّ بنُ حاتمٍ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وهو يقرَأُ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]"، أي: إنَّ اليهودَ اتَّخَذَتْ أحبارَهم، والنَّصارى اتَّخَذَتْ رُهبانَهم آلهةً مِن دونِ اللهِ، "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أمَا إنَّهم لم يكونوا يَعبُدونهم"، أي: إنَّ اليهودَ والنَّصارى لم يكونوا يعبُدون أحبارَهم ورُهبانَهم، "ولكنَّهم"، أي: اليهودَ والنَّصارى، "كانوا إذا أحَلُّوا لهم شيئًا استحَلُّوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه"، أي: إنَّ الأحبارَ والرُّهبانَ كانوا إذا أحَلُّوا شيئًا استحَلَّه أتباعُهم، وإذا حرَّموا شيئًا امتَنَع عنه أتباعُهم، وكأنَّهم بذلك اتَّخَذوا أحبارَهم ورُهبانَهم آلهةً مِن دونِ اللهِ، يُحِلُّون لهم، ويُحرِّمونَ عليهم.
وفي الحديثِ: أنَّ التَّحليلَ والتَّحريمَ مِن خَصائصِ اللهِ جلَّ وعلا، وأنَّ مَن اتَّبعَ أحدًا في ذلك فقد اتَّخذَه إلهًا مِن دُونِه.
عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. قال أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
الحديث قد أخرجه الترمذي في سننه قال: حدثنا الحسين بن يزيد الكوفي، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب من ذهب. فقال: يا عدي اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}. قال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه.
وأخرجه الطبري بلفظ: عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عُنُقي صليبٌ من ذهب، فقال: يا عديّ، اطرح هذا الوثنَ من عنقك! قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في "سورة براءة"، فقرأ هذه الآية: (اتخذوا أحبارهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله). قال: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدُهم! فقال: أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم!.
وضعف الترمذي الحديث بقوله: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث.اهـ. وقد حكم ابن تيمية على الحديث بأنه حديث حسن، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
والظاهر: أن موضع الاستدلال على القضية التي ذكرتها (من الناس من يستدل به على أن من العرب من كان يجهل معنى العبادة) هو في لفظ الطبري حين قال عدي بن حاتم: إنا لسنا نعبدُهم.
وعلى كل حال؛ فعدم علم العرب ببعض معاني الألفاظ الشرعية ليس بمستنكر، فمعاني الألفاظ الشرعية قد تختلف عن أصل المعنى اللغوي إما بزيادة، أو تقييد، أو نحو ذلك، قال ابن تيمية: فإذا أطلق اسم الصلاة في الشرع لم يفهم منه إلا هذا وهي: القيام والركوع والسجود لله بالأذكار المشروعة فيها، ثم قال جماعة من أصحابنا -منهم: أبو الخطاب، وابن عقيل-: هي منقولة في اللغة إلى الشرع ومعدول بها عن المفهوم الأول إلى مفهوم آخر. وقال القاضي، وغيره: ليست منقولة، بل ضمت إليها الشريعة شروطًا وقيودًا وهي مبقاة على ما كانت عليه، وكذلك القول في اسم الزكاة والصيام وغيرها من الأسماء الشرعية.
وتحقيق ذلك: أن تصرف الشرع فيها كتصرف أهل العرف في بعض الأسماء اللغوية؛ إما تخصيصها ببعض معانيها كالدابة، وإما تحويلها، فالصلاة كانت اسمًا لكل دعاء فصارت اسمًا لدعاء مخصوص أو كانت اسمًا لدعاء فنقلت إلى الصلاة الشرعية لما بينها وبين الدعاء من المناسبة، والأمر في ذلك متقارب. اهـ. باختصار من شرح العمدة.
وقد يكون المعنى معلومًا لكن يغفل عنه الإنسان لأسباب؛ منها: التقليد، والإلف والاعتياد، والظاهر: أن عديًّا -رضي الله عنه- لم ينتبه إلى أن الطاعة في التحليل والتحريم المخالف للشرع، من اتخاذ الأرباب من دون الله.