جهالةالصحابي لاتضر عدالته
كتاب فتح الباري بشرح البخاري – ط السلفية [ابن حجر العسقلاني] ج: 8 ص: ٤٠٠ رقم الحديث: ٤٧١٩
١٧ – سورة بني إسرائيل ١٢ – باب ﴿وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا﴾ يزهق: يهلك
مَنْ هَدَيْتَ، عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ، وَبِكَ وَإِلَيْكَ، وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ. فَهَذَا قَوْلُهُ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبَابِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَأَنَّهُ مُقَدِّمَةُ الشَّفَاعَةِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ الْجَبَّارِ وَبَيْنَ جِبْرِيلَ، فَيَغْبِطُهُ لِمَقَامِهِ ذَلِكَ أَهْلُ الْجَمْعِ. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: تُمَدُّ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ عِبَادُكُ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ. قَالَ: فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ صَحِيحٌ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ صَحَابِيًّا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ أَخْذُهُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ إِعْطَاؤُهُ لِوَاءَ الْحَمْدِ، وَقِيلَ جُلُوسُهُ عَلَى الْعَرْشِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ شَفَاعَتُهُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ) هُوَ الْعِجْلِيُّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ تَسْمِيَةُ بَعْضِ مَنْ أُبْهِمَ هُنَا بِقَوْلِهِ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ وَقَوْلُهُ: جُثًا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّنْوِينِ جَمْعُ جُثْوَةٍ كَخُطْوَةٍ وَخُطًا، وَحَكَى ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّهُ رُوِيَ جِثِيٌّ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ جَمْعُ جَاثٍ وَهُوَ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى رُكْبَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، عَنِ ابْنِ الْخَشَّابِ: إِنَّمَا هُوَ جُثَّى بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِهَا جَمْعُ جَاثٍ مِثْلُ غَازٍ وَغُزَّى.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ) زَادَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ فِي الزَّكَاةِ فَيَشْفَعَ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، وَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٤٧١٩ – حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (رَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ ابْنِ عُمَرَ (عَنْ أَبِيهِ) تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ وَصَلَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الْأَذَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَبْوَابِ الْأَذَانِ.
١٢ – بَاب ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ يَزْهَقُ: يَهْلِكُ ٤٧٢٠ – حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾، ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ قَوْلُهُ: بَابُ ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ الْآيَةَ. يَزْهَقُ يَهْلَكُ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: وَتَزْهَقُ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَارِهُونَ أَيْ تَخْرُجُ وَتَمُوتُ وَتَهْلَكُ، وَيُقَالُ: زَهَقَ مَا عِنْدَكَ أَيْ ذَهَبَ كُلُّهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ أَيْ ذَاهِبًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ (زَهَقَ الْبَاطِلُ) أَيْ هَلَكَ.
قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ) كَذَا لَهُمْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ. قَوْلُهُ: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَأَوَّلُهُ فِي قِصَّةِ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ، فَجَعَلَ يَمُرُّ بِتِلْكَ الْأَصْنَامِ فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِسِيَةِ الْقَوْسِ وَيَقُولُ: ﴿جَاءَ الْحَقُّ
هذا الخبر الذي ذكرته قد رواه علي بن الحسين، عن رجل من أهل العلم.
ومن ثم؛ أوقف الحافظ ابن حجر صحته على كون هذا الذي روى عنه علي بن الحسين صحابيًّا، وعبارته في الفتح: ومن طريق علي بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُمَدُّ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ، عِبَادُكُ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ. قَالَ: فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودِ. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ صَحَابِيًّا. انتهى.
قال الحافظ ابن كثير: لا تضر جهالة الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول، بخلاف غيرهم. انتهى.
وأورد الحافظ هذا الحديث في موضع آخر، كما ذكرت في سؤالك، وذكر أنه من حديث جابر، وأنه اختلف في صحابِيِّه، وهذا الاختلاف في صحابيه لا يضر؛ ولذا جوّد السيوطي إسناد حديث جابر هذا، كما في الدر المنثور، ولم يلتفت إلى الاختلاف على الزهري في صحابيّ الحديث. وبه يتبين لك أن القاعدة صحة ما هذه صفته، إن صحت نسبته إلى الصحابي، وإن اختلف في اسمه، أو لم يسمّ أصلًا.
فرواية علي بن الحسين، عن رجل من أهل العلم، يحكم عليها بالضعف؛ لعدم تحقق كون المروي عنه صحابيًّا، والحديث المروي عن جابر يحكم عليه بالصحة، وإن اختلف في صحابِيِّه، فإنه سواء كان الصحابي جابرًا، أم غيره؛ فالصحابة كلهم عدول، كما عرفت.

