اصحاب يذادون عن الحوض
– أنا فرَطُكم على الحوضِ وليختلجنَّ رجالٌ دوني فأقولُ : يا ربِّ أصحابي فيقال : إنك لا تدْري ما أحدَثوا بعدكَ
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : تخريج المسند لشاكر | الصفحة أو الرقم : 6/164 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (6576)، ومسلم (2297) باختلاف يسير
أنا فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، فمَن ورَدَهُ شَرِبَ منه، ومَن شَرِبَ منه لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أبَدًا، لَيَرِدُ عَلَيَّ أقْوامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحالُ بَيْنِي وبيْنَهُمْ.
قالَ أبو حازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمانُ بنُ أبِي عَيَّاشٍ وأنا أُحَدِّثُهُمْ هذا، فقالَ: هَكَذا سَمِعْتَ سَهْلًا؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، قالَ: وأنا أشْهَدُ علَى أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فيه قالَ: إنَّهُمْ مِنِّي، فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَن بَدَّلَ بَعْدِي. الراوي : سهل بن سعد الساعدي وأبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 7050 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه مسلم (2290، 2291)
الكَوثرُ والحوْضُ من فَضْلِ اللهِ الذي أعطاهُ لنَبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ القيامةِ؛ زيادةً في إكرامِهِ ولُطفِه به وبأُمَّتِه، وسيشرَبُ منه المُؤمِنون الموحِّدون باللهِ عزَّ وجَلَّ. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن مَشْهَدٍ مِن مَشاهِدِ يوْمَ القيامةِ، فيَقولُ: «أنا فَرَطُكم على الحَوْضِ»، أي: أتَقدَّمُكم وأسبِقُكم إليه، فيكونُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على حَوْضِه، ويَأْتِيه المُؤمِنون يَشْرَبون منه، ومَن شَرِب منه لا يَظْمَأُ -وهو العَطَشُ- بعْدَ ذلك أبدًا، ثُمَّ يَأتي أُنَاسٌ يَعرِفُهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَعرِفونه، فيُبعَدُون عن الحَوْضِ ويُمنَعون مِن الوُصولِ إليه، فيَتَساءَلُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن سَببِ مَنْعِهم، فيُقاُل له: إنَّهم غيَّروا وبَدَّلوا بعْدك، فيَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حِينئذٍ: «سُحْقًا سُحْقًا» أي: بُعْدًا بُعْدًا لِمَن غيَّر وبَدَّل بعْدي، وحاصِلُ ما حُمِل عليه حالُ المَذكُورين: أنَّهم إنْ كانوا مِمَّن ارتدَّ عن الإسلامِ؛ فلا إشكالَ في تَبرِّي النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منْهم وإبعادِهم، وإنْ كانوا مِمَّن لم يَرْتَدَّ لكنْ أَحْدَثَ مَعصيةً كَبيرةً مِن أعمالِ البَدَنِ أو بِدْعةً مِن اعْتِقاد القلْبِ، فأُجِيبَ بأنَّه يَحتمِلُ أنْ يكونَ أعْرَضَ عنْهم ولم يَشْفَعْ لهم اتِّباعًا لأمرِ اللهِ فيهم حتَّى يُعاقِبَهم على جِنايَتِهم، ولا مانعَ مِن دُخولِهم في عُمومِ شَفاعَتِه لأهْلِ الكبائرِ مِن أُمَّتِه، فيَخرُجون عندَ إخراجِ الموحِّدين مِن النَّارِ. وفي هذا تَهديدٌ شَديدٌ لكلِّ مَن أحْدَث في الدِّينِ ما لا يَرضاهُ اللهُ بأنْ يكونَ مِن المطْرودِينَ عن الحوْضِ، ومِن أشدِّ هؤلاءِ المُحْدِثينَ في الدِّينِ: مَن خالَفَ جَماعةَ المُسلِمينَ كالخَوارجِ والرَّوافضِ وأصْحابِ الأهواءِ، وكذلك الظَّلَمةُ المُسرِفونَ في الجَورِ وطَمْسِ الحقِّ، والمُعلِنون بالكبائِرِ؛ فكلُّ هؤلاء يُخافُ عليهم أنْ يَكونوا ممَّن عُنُوا بهذا الحديثِ. وفي الحَديثِ: خَطورةُ الابتِداعِ في الدِّينِ وتَبديلِه، ويَدخُلُ في هذا جَميعُ أهلِ البِدعِ، وكذلك أهلُ الظُّلمِ والجَورِ؛ فكلُّهم مُحْدِثٌ مُبدِّلٌ. وفيه: إثباتُ حوْضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الآخِرَةِ.
بيْنما أنا نائِمٌ إذا زُمْرَةٌ ، حتى إذا عرَفْتُهُمْ ، خرَجَ رجلٌ من بيْنِي وبيْنِهِمْ فقال : هَلُمَّ ، قُلتُ : أيْنَ ؟ قال : إلى النارِ واللهِ ، قُلتُ : ما شأنُهُمْ ؟ قال : إنَّهمْ ارْتدُّوا بعدَكَ على أدْبارِهِمْ القَهْقَرَى ، ثمَّ إذا زُمرةٌ ، حتى إذا عرَفتُهُمْ خرَجَ رجلٌ من بينِي وبينِهِمْ فقال : هلُمَّ ، قُلتُ : أيْنَ ؟ قال : إلى النارِ ، قُلتُ : ما شأنُهُمْ ؟ قال : إنَّهمْ ارتَدُّوا بعدَكَ على أدْبارِهِمْ القَهْقَرَى ، فلا أُراهُ يَخلُصُ مِنهُمْ إلَّا مثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 2867 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
بَيْنا أنا قائِمٌ إذا زُمْرَةٌ، حتَّى إذا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَيْنِي وبَيْنِهِمْ، فقالَ: هَلُمَّ، فَقُلتُ: أيْنَ؟ قالَ: إلى النَّارِ واللَّهِ، قُلتُ: وما شَأْنُهُمْ؟ قالَ: إنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ علَى أدْبارِهِمُ القَهْقَرَى. ثُمَّ إذا زُمْرَةٌ، حتَّى إذا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَيْنِي وبَيْنِهِمْ، فقالَ: هَلُمَّ، قُلتُ: أيْنَ؟ قالَ: إلى النَّارِ واللَّهِ، قُلتُ: ما شَأْنُهُمْ؟ قالَ: إنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ علَى أدْبارِهِمُ القَهْقَرَى. فلا أُراهُ يَخْلُصُ منهمْ إلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6587 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : من أفراد البخاري على مسلم
——————————————————-
الحَوْضُ مَجمَعُ ماءٍ عظيمٌ يَرِدُهُ المُؤمِنون في عَرَصاتِ القِيامةِ، وهو مِن فضْلِ اللهِ الذي أعطاهُ لنَبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ زِيادةً في إكرامِهِ ولُطفِه به وبأُمَّتِه، وسيشرَبُ منه المُؤمِنون الموَحِّدون بالله عزَّ وجَلَّ. وفي هذا الحَديثِ يَحْكي النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن مَوقفٍ مِن مَواقفِ يوْمِ القِيامةِ؛ فيخبرُ أنَّه بَيْنما هو واقِفٌ على الحَوْضِ الذي أَعطاهُ ربُّه سُبحانَه، وهو الكَوْثَرُ، كما ورد في رواياتِ الصَّحيحينِ. وفي نُسخةٍ رُوِيَتْ هذِه اللفظةُ: «نائِمٌ »، أي: بَيْنما أنا نائِمٌ، وكأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأَى في مَنامِه ما سيَقَعُ في الآخِرَةِ. فرأى جماعةً وعَرَفَ أنَّهم من أُمَّتِه بِسِيماهُم وعَلامَاتِهم، فخرَج رجلٌ مِن بينه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبيْنهم، والمرادُ به: المَلَكُ المُكَلَّفُ بهمْ، فقال المَلَكُ لتلك الجماعةِ: هَلُمَّ، أي: تعَالَوْا وانهضُوا وأسرِعُوا، فسأله النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيْنَ تَأخُذُهُم وتَذهَبُ بهم بعيدًا عنِّي وهمْ مِن أُمَّتِي؟ فأقسَم المَلَكُ باللهِ أنَّه سيأخُذُهم إلى النَّارِ، فسأله النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما الذي أحدَثُوه ليُذْهَبَ بهم إلى النَّارِ؟ قال المَلَكُ: «إنَّهم ارتَدُّوا بعْدَك على أدْبارِهم القَهْقَرَى»، أي: إنَّهم ارتَدُّوا عن دِينِهم بعْدَك، ورجَعُوا إلى الخَلْفِ، ففَعلُوا كما كان يَفعَلُ مَن قبْلَهُم مِن الإشْراكِ والكُفرِ، وأخبر النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ نَفْسَ الفِعلِ ونَفْسَ الموقِفِ تكَرَّرَ مع مجموعةٍ أُخرى، ثم قال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «فلا أُرَاه يَخْلُصُ منهم إلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ!» وهي الإبِلُ المُهْمَلَةُ الَّتي لا راعِيَ لها، وهذه تكونُ قَليلةً بالنِّسبةِ إلى الإبِلِ الَّتي يَهتَمُّ بها أصحابُها، يعني أن النَّاجِيَ من هؤلاء قليلٌ في قِلَّةِ الإبِلِ الضَّالَّةِ، وهذا يشعِرُ بأنَّهم صِنفانِ كُفَّارٌ وعُصاةٌ، والمعنَى العامُّ: فلا أعلَمُ أنَّه قدْ خَلُصَ ونجَا مِن هذِه الزُّمَرِ والجَماعاتِ إلَّا القليلُ الَّذين وصَلُوا إلى الحَوْضِ، ونجَوْا مِن النَّارِ. وقدِ اختُلِفَ في حَقيقةِ الرِّدَّةِ المذكورَةِ في هذا الحديثِ، ومَن المرْتَدُّونَ المقصودون؟ فقيل: همُ الذين ارتَدُّوا على عهْدِ أبِي بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه، فقاتَلَهُم أبو بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه حتَّى قُتِلُوا وماتُوا على الكُفْرِ، وقِيل: إنَّ الرِّدَّةَ على ظاهِرِها مِن الكُفْرِ، ولكنَّ المرادَ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ لا أُمَّةُ الإجابةِ، وكأنَّهم ظَلُّوا على كُفْرهِم بعْدَ عِلمِهم بدَعْوةِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورِسالتِهِ، وقيلَ: يَحتَمِلُ أنْ يكونُوا مِن مرتَكِبِي الكبائرَ، وحُشِرُوا بالغُرَّةِ والتَّحْجِيلِ، كما في الصَّحيحينِ: «إنَّ أُمَّتى يُدْعَونَ يومَ القيامةِ غُرًّا مُحَجَّلينَ مِن آثارِ الوُضوءِ»؛ لأنَّهم كانوا مِن جُملةِ الأُمَّةِ فيُنادِيهم مِن أجْلِ العلاماتِ والسِّيما الَّتي عليهم، فيُقالُ له: إنَّهم بدَّلُوا بعْدَك ولم يَمُوتُوا على ظاهِرِ ما فارقْتَهُم عليه مِن الإسلامِ، ويَحتمِلُ أنَّهم منَ الدَّاخِلينَ في غِمارِ أُمَّةِ الإجابَةِ، لأجْلِ ما دلَّ على ذلك فيهمْ، وهو الغُرَّةُ والتَّحْجِيلُ؛ لأنَّ ذلك لا يكونُ لأهلِ الكُفْرِ الخَالِص الَّذين كان كُفرُهم أصلًا أو ارتدادًا؛ لقولِه: «قد بدَّلُوا بعدَك»، ولو كان المقصودُ الكُفْرَ المَحْضَ لَقال: قدْ كفَرُوا بعْدَك، ويُمكِنُ أنْ يُحمَلَ الارتِدادُ على تَبْديلِ السُّنَّةِ، وهو واقِعٌ على أهْلِ البِدَعِ والنِّفَاقِ؛ لأنَّ أهلَ النِّفَاقَ إنَّما أخَذُوا الشَّرِيعةَ ساتِرًا لا تَعبُّدًا، فوضَعُوها في غيْر مَوْضِعِها. وفي الحَديثِ: الوعيدُ العظيمُ لِمَن بَدَّل الدِّينَ أو ارتَدَّ أو بَدَّل سُنَّةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وابتدع فيها بدعةً؛ حيث إنَّه يُطرَدُ عن هذا الحَوضِ الذي يسَعُ أُمَّتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مِثْلِ ذلك اليَومِ الشَّديدِ العَطَشِ.
