نقاش الرواية
حديث شق الصدر
نص الشبهة:
أخرج مسلم بن الحجاج: (عن أنس بن مالك : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه جبرئيل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه وصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج منه علقة؛ فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب، بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه.
وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعني ظئره ـ فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه، وهو منتقع اللون.
قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره (صحيح مسلم ج1 ص101 ـ 102 وفيه ثمة روايات أخرى عن شق صدره (صلى الله عليه وآله) فليراجع من أراد).
وكان ذلك هو سبب إرجاعه (صلى الله عليه وآله) إلى أمه) (سيرة ابن هشام ج1 ص174 ـ 175، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص10، وغير ذلك).
وكتب الحديث والسيرة عند غير الإمامية لا تخلو عن هذه الرواية غالباً، بل قد ذكروا أنه قد شُقَّ صدره (صلى الله عليه وآله) خمس مرات، أربع منها ثابتة: مرة في الثالثة من عمره، وأخرى في العاشرة، وثالثة عند مبعثه، ورابعة عند الإسراء، والخامسة فيها خلاف.
الجواب:
وجيه غير وجيه
ويقولون: إن تكرار شق صدره إنما هو زيادة في تشريفه (صلى الله عليه وآله)، وقد نظم بعضهم ذلك شعراً فقال:
أصل الرواية جاهلي
فقد النبي صلى الله عليه و آله لأبويه
أيا طالباً نظم الفرائد في عقد *** مواطن فيها شق صدر لذي رشد
لـقد شق صدر للنبي محمد *** مراراً لتشريف، وذا غايـة المجد
فأولى له التشريف فيها مؤثل *** لتطهيره من مضغة في بني سعد
وثانـية كانت له وهو يافع *** وثالثة للمبعث الطيب الند
ورابعـة عـند العروج لربه *** وذا باتفاق فاستمع يا أخا الرشد
وخامسـة فيها خلاف تركتها *** لفقدان تصحيح لها عند ذي النقد 1
كما أننا في نفس الوقت الذي نرى فيه البعض يعتبر هذه الرواية من إرهاصات النبوة كما صرح به ناظم الأبيات السابقة وغيره ، ومثار إعجاب وتقدير.
فإننا نرى: أنها عند غير المسلمين، إما مبعث تهكم وسخرية، وإما دليل لإثبات بعض عقائدهم الباطلة، والطعن في بعض عقائد المسلمين.
ونرى فريقاً ثالثاً: (يعتبر الرواية موضوعة، من قبل من أراد أن يضع التفسير الحرفي لقولـه تعالى: ﴿ … أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴾ 3) 4.
واعتبرها صاحب مجمع البيان أيضاً: (مما لا يصح ظاهره، ولا يمكن تأويله إلا على التعسف البعيد ؛ لأنه كان طاهراً مطهراً من كل سوء وعيب، وكيف يطهر القلب وما فيه من الاعتقاد بالماء) ؟ 5.
ونجد آخر 6 يحاول أن يناقش في سند الرواية، ونظره فقط إلى رواية ابن هشام، عن بعض أهل العلم، ولكنه لم يعلم أنها واردة في صحيح مسلم بأربعة طرق، ولو أنه اطلع على ذلك لرأينا له موقفاً متحمساً آخر؟ لأنها تكون حينئذٍ كالوحي المنزل، على النبي المرسل.
ولعل خير من ناقش هذه الرواية نقاشا موضوعياً سليماً هو العلامة الشيخ محمود أبو رية في كتابه القيِّم: (أضواء على السنة المحمدية) ؛ فليراجعه من أراد..
رأينا في الرواية
ونحن هنا نشير إلى ما يلي:
1 ـ إن ابن هشام وغيره يذكرون: أن سبب إرجاع الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى أمه، هو أن نفراً من الحبشة نصارى، رأوه مع مرضعته، فسألوا عنه، وقلبوه، وقالوا لها: لنأخذن هذا الغلام، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا إلخ 7.
وبذلك تصير الرواية المتقدمة التي تذكر أن سبب إرجاعه إلى أمه هو قضية شق الصدر محل شك وشبهة.
2 ـ كيف يكون شق صدره (صلى الله عليه وآله) هو سبب إرجاعه إلى أمه؛ مع أنهم يذكرون:
أن هذه الحادثة قد وقعت له (صلى الله عليه وآله) وعمره ثلاث سنين، أو سنتان وأشهر، مع أنه إنما أعيد إلى أمه بعد أن أتم الخمس سنين.
3 ـ هل صحيح أن مصدر الشر هو غدة، أو علقة في القلب، يحتاج التخلص منها إلى عملية جراحية؟!.
وهـل يعني ذلك أن باستطاعة كل أحد ـ فيما لو أجريت له عملية جراحية لاستئصال تلك الغدة ـ أن يصبح تقياً ورعاً، خيّراً؟!.
أم أن هذه الغدة أو العلقة قد اختص الله بها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وابتلاه بها دون غيره من بني الإنسان؟!. ولماذا دون غيره؟!.
4 ـ لماذا تكررت هذه العملية أربع، أو خمس مرات، في أوقات متباعدة؟ حتى بعد بعثته (صلى الله عليه وآله) بعدة سنين، وحين الإسراء والمعراج بالذات؟!
فهل كانت تلك العلقة السوداء، وحظ الشيطان تستأصل، ثم تعود إلى النمو من جديد؟! وهل هي من نوع مرض السرطان الذي لا تنفع معه العمليات الجراحية، والذي لا يلبث أن يختفي حتى يعود إلى الظهور بقوة أشد، وأثر أبعد؟!.
ولماذا لم تعد هذه العلقة إلى الظهور بعد العملية الرابعة أو الخامسة، بحيث يحتاج إلى السادسة، فالتي بعدها؟!.
ولماذا يعذب الله نبيه هذا العذاب، ويتعرض لهذه الآلام بلا ذنب جناه؟! ألم يكن بالإمكان أن يخلقه بدونها من أول الأمر؟!.
5 ـ وهل إذا كان الله يريد أن لا يكون عبده شريراً يحتاج لإعمال قدرته إلى عمليات جراحية كهذه، على مرأى من الناس ومسمع؟!.
وتعجبني هذه البراعة النادرة لجبرئيل في إجراء العمليات الجراحية لخصوص نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وألا تعني هذه الرواية: أنه (صلى الله عليه وآله) كان مجبراً على عمل الخير، وليس لإرادته فيه أي أثر أو فعالية، أو دور؟! لأن حظ الشيطان قد أبعد عنه بشكل قطعي وقهري، وبعملية جراحية، كان أنس بن مالك يرى أثر المخيط في صدره الشريف!!.
6 ـ لماذا اختص نبينا بعملية كهذه ولم تحصل لأي من الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام ؟ 8.
أم يعقل أن محمداً (صلى الله عليه وآله)، أفضل الأنبياء وأكملهم، كان فقط بحاجة إلى هذه العملية؟! الجراحية؟! وإذن، فكيف يكون أفضل وأكمل منهم؟
أم أنه قد كان فيهم أيضاً للشيطان حظ ونصيب لم يخرج منهم بعملية جراحية ؛ لأن الملائكة لم يكونوا قد تعلموا الجراحة بعد؟!.
7 ـ وأخيراً، أفلا ينافي ذلك ما ورد في الآيات القرآنية، مما يدل على أن الشيطان لا سبيل له على عباد الله المخلصين: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ 9.
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ … ﴾ 10.
وقال: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ 11.
ومن الواضح: أن الأنبياء هم خير عباد الله المخلصين، والمؤمنين، والمتوكلين. فكيف استمر سلطان الشيطان على الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى حين الإسراء والمعراج؟!.
هذا كله، عدا عن تناقض الروايات الشديد، وقد أشار إليه الحسني باختصار، فراجع 12 وقارن.
المسيحيون وحديث شق الصدر
وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (ما من أحد من الناس إلا وقد أخطأ، أو همّ بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا) 13.
ويذكر أبو رية (رحمه الله): أن حديث شق الصدر يأتي مؤيداً للحديث الآخر، الذي ورد في البخاري، ومسلم وفتح الباري وغيرها، وهو ـ والنص للبخاري ـ: (كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب) 14.
وفي رواية: (ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ؛ فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها) 15.. ولهذا الحديث ألفاظ أخرى لا مجال لذكرها.
وقد استدل المسيحيون بهذا الحديث على أن البشر كلهم ـ حتى النبي ـ مجردون عن العصمة، معرضون للخطايا إلا عيسى بن مريم، فإنه مصون عن مس الشيطان، مما يؤيد ارتفاع المسيح عن طبقة البشر، وبالتالي يؤكد لاهوته الممجد 16.
وأضاف أبو رية إلى ذلك قوله: (ولئن قال المسلمون لإخوانهم المسيحيين:
ولم لا يغفر الله لآدم خطيئته بغير هذه الوسيلة القاسية، التي أزهقت فيها روح طاهرة بريئة، هي روح عيسى (عليه السلام) بغير ذنب؟!.
قيل لهم: ولم لم يخلق الله قلب رسوله الذي اصطفاه، كما خلق قلوب إخوانه من الأنبياء والمرسلين ـ والله أعلم حيث يجعل رسالته ـ نقياً من العلقة السوداء وحظ الشيطان، بغير هذه العملية الجراحية، التي تمزق فيها قلبه وصدره مراراً عديدة!..) 17.
أصل الرواية جاهلي
والحقيقة هي: أن هذه الرواية مأخوذة عن أهل الجاهلية، فقد جاء في الأغاني أسطورة مفادها:
أن أمية بن أبي الصلت كان نائماً، فجاء طائران، فوقع أحدهما على باب البيت ؛ ودخل الآخرفشق عن قلب أمية ثم رده الطائر، فقال له الطائر الآخر: أوَعَى؟؟
قال: نعم.
قال: زكا؟
قال: أبى.
وعلى حسب رواية أخرى: أنه دخل على أخته، فنام على سرير في ناحية البيت، قال: فانشق جانب من السقف في البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره، ووقف الآخر مكانه، فشق الواقع على صدره، فأخرج قلبه، فقال الطائر الواقف للطائر الذي على صدره: أوَعَى؟
قال: وَعَى.
قال: أقَبِل؟
قال: أبى.
قال: فرُدّ قلبه في موضعه إلخ..
ثم تذكر الرواية تكرر الشق له أربع مرات 18.
وهكذا يتضح: أن هذه الرواية مفتعلة ومختلقة، وأن سر اختلاقها ليس إلا تأييد بعض العقائد الفاسدة، والطعن بصدق القرآن، وعصمة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله).
ولنعد الآن إلى متابعة الحديث عن السيرة العطرة ؛ فنقول:
فقد النبي صلى الله عليه و آله لأبويه
لقد شاءت الإرادة الإلهية: أن يفقد النبي (صلى الله عليه وآله) أباه وهو لا يزال جنيناً، أو طفلاً صغيراً.
وربما يقال: إن الأصح هو الأول ؛ لأن يتمه هذا كان هو الموجب لتردد حليمة السعدية في قبوله رضيعاً 19، ولكن قد تقدم بعض المناقشة في ذلك.
ثم فقد أمه بعد عودته من بني سعد، وهو في الرابعة من عمره، أو في السادسة، أو أكثر حسب الروايات.
ولعل ما تقدم من إرجاع حليمة له إلى أمه، وهو في الخامسة من عمره، يؤيد أن أمه قد توفيت وهو في السادسة، إلا أن يقال: إنه يمكن أن يكون المراد: أنه قد أرجع إلى أهله، ولكنه احتمال بعيد عن مساق الكلام.
هذا.. وقد استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربه في زيارة قبر أمه، فأذن له.
فقد روى مسلم في صحيحه، أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (إستأذنت ربي في زيارة أمي، فأذن لي، فزوروا القبور تذكّركم الموت) 20.
وهذا الحديث حجة دامغة على من يمنع من زيارة القبور، وله مؤيدات كثيرة ؛ كزيارة فاطمة (عليها السلام) لقبر حمزة (عليه السلام)، وغير ذلك.
وقد ألف العلامة المتتبع البحاثة الشيخ علي الأحمدي كتاباً في التبرك بآثار الأنبياء والصالحين، وتعرض فيه إلى هذا الموضوع، وبحثه أيضاً العلامة الأميني في الغدير، والسبكي في كتابه: شفاء السقام في زيارة خير الأنام، وغيرهم كثير 21.
1. راجع: أضواء على السنة المحمدية ص187.
2. فقه السيرة للبوطي ص53، وراجع سيرة المصطفى للحسني ص46.
3. القران الكريم: سورة الشرح (94)، من بداية السورة إلى الآية 2، الصفحة: 596.
4. راجع حياة محمد لمحمد حسنين هيكل ص73 والنبي محمد للخطيب ص197.
5. الميزان ج13 ص34، عن مجمع البيان.
6. النبي محمد لعبد الكريم الخطيب ص196.
7. راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص177 وتاريخ الطبري ج1 ص575.
8. السيرة الحلبية ج1 ص368.
9. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 39 و 40، الصفحة: 264.
10. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 65، الصفحة: 288.
11. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 99، الصفحة: 278.
12. سيرة المصطفى ص46.
13. مسند أحمد: ج1 ص301، وراجع: المصنف ج11 ص184.
14. البخاري ط سنة 1309هـ ج2 ص143.
15. مسند أحمد ج2 ص274 ـ 275.
16. أضواء على السنة المحمدية ص186، عن: المسيحية في الإسلام طبعة ثالثة ص127 تأليف إبراهيم لوقا.
17. أضواء على السنة المحمدية ص187.
18. راجع الأغاني ج3 ص 188 و 189 و 190.
19. وبذلك يعلم: أن ما ورد في كشف الغمة ج1 ص16 من أنه عاش (صلى الله عليه وآله) مع أبيه سنتين وأربعة أشهر لا يمكن المساعدة عليه.. رغم أن الإربلي رحمه الله قد نص بعد ذلك بصفحات أي في ص22 على أن أباه قد توفي وأمه حبلى به (صلى الله عليه وآله).. فراجع..وليراجع تاريخ الخميس ص258 ج1 وتاريخ الطبري ج2 ص33، وسيرة ابن هشام ج1 ص193.
20. كشف الغمة ج1 ص16 عن مسلم، وصحيح مسلم ط سنة 1334هـ ج3 ص65، وتاريخ الخميس ج1 ص335 والحديث موجود في مصادر عديدة كما يظهر من مراجعة كتاب الجنائز في كتب الحديث..
21. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء الثاني.
راي الشيعة
تفسير الميزان – السيد الطباطبائي – ج ٢٠ – الصفحة ٣١٧
على ما بين قبل من تحميله الرسالة والدعوة ومنه تعالى عليه بما من من شرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر وكل ذلك من اليسر بعد العسر.
وعليه فالمعنى إذا كان العسر يأتي بعده اليسر والامر فيه إلى الله لا غير فإذا فرغت مما فرض عليك فأتعب نفسك في الله – بعبادته ودعائه – وارغب فيه ليمن عليك بما لهذا التعب من الراحة ولهذا العسر من اليسر.
وقيل: المراد إذا فرغت من الفرائض فانصب في النوافل، وقيل: إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، وما يتضمنه القولان بعض المصاديق.
وقيل: المعنى إذا فرغت من الغزو فاجتهد في العبادة وقيل: المراد إذا فرغت من دنياك فانصب في آخرتك وقيل غير ذلك وهي وجوه ضعيفة.
(بحث روائي) في الدر المنثور أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي بن كعب أن أبا هريرة قال: يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا وقال: لقد سألت أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشرين سنه وأشهرا إذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها في خلق قط وثياب لم أجدها على أحد قط فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسا.
فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه فأضجعني بلا قصر ولا هصر فقال أحدهما: أفلق صدره فحوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع فقال له: أخرج الغل والحسد فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها فقال له: أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ثم هز ابهام رجلي اليمنى وقال: اغد وأسلم فرجعت بها أغدو بها رقة على الصغير ورحمة للكبير.
أقول: وفي نقل بعضهم – كما في روح المعاني – ابن عشر حجج مكان قوله: ابن عشرين سنه وأشهرا، وفي بعض الروايات نقل القصة عند نزول سورة اقرأ باسم ربك وفي بعضها كما في صحيح البخاري ومسلم والترمذي والنسائي نقل القصة عند أسراء النبي.
والقصة على أي حال من قبيل التمثل بلا اشكال، وقد أطالوا البحث في توجيه ما
(٣١٧)
تتضمنه على أنها واقعة مادية فتمحلوا بوجوه لا جدوى في التعرض لها بعد فساد أصلها.
وفيه أخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أتاني جبرئيل فقال:
ان ربك يقول: تدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله أعلم قال: إذا ذكرت ذكرت معي.
وفيه أخرج عبد الرزاق وابن جرير والحاكم والبيهقي عن الحسن قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما مسرورا وهو يضحك ويقول: لن يغلب عسر يسرين ” ان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا “.
وفي المجمع في قوله تعالى: ” فإذا فرغت فانصب والى ربك فارغب ” معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة. قال:
وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.
(سورة التين مكية وهي ثمان آيات) بسم الله الرحمن الرحيم والتين والزيتون – 1. وطور سينين – 2.
وهذا البلد الأمين – 3. لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم – 4.
ثم رددناه أسفل سافلين – 5. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون – 6. فما يكذبك بعد بالدين – 7. أليس الله بأحكم الحاكمين – 8.
(بيان) تذكر السورة البعث والجزاء وتسلك إليه من طريق خلق الانسان في أحسن تقويم ثم اختلافهم بالبقاء على الفطرة الأولى وخروجهم منها بالانحطاط إلى أسفل سافلين ووجوب التمييز بين الطائفتين جزاء باقتضاء الحكمة.
(٣١٨)
-حديث شق الصدر نقل في المصادر الشيعية بندرة ومثل العلامة المجلسي أيضا بعد ما ذكره في «البحار» قال: «الحديث كما ترى مروي من طرق العامة، متضمن ما يخالف مذهب الإمامية، وهو شق القلب وإخراج نكتة سوداء، وقد ورد ذلك في أخبارهم». (بحار الأنوار، ج15، ص256)
2-مجال البحث والاجتهاد لم يغلق، لا في هذا الحديث ولا في غيره، فالعلامة الراحل السيد جعفر مرتضى رفض الفكرة ببيان علمي متقن، وفي مقابل ذلك ترى العلامة الطباطبائي يشير إلى نقطة لطيفة في فهم هذه الرواية ويراها من مصاديق التمثل البرزخي… (الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص317)
الطست عند الشيعة
وأمّـا ما زعمه بعضُهم: من أنّ حادثة شقّ الصدر مرويّة عند الإماميّة بطرق معتبرةٍ بلفظ: « طست تُغسل فيه قلوب الأنبياء »، فهو مردود، غير صحيح جملة وتفصيلاً، فنقول في بيان ذلك:
إنّ الحديث أخرجه الحميريّ والكافي بأسانيد معتبرة عن عليّ بن أسباط، قال – في حديثٍ -: « قلنا لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أصلحك الله، ما السكينة؟ قال: ريح تخرج من الجنّة، لها صورة كصورة الإنسان، ورائحة طيبة، وهي التي نزلت على إبراهيم، فأقبلت تدور حول أركان البيت وهو يضع الأساطين، قيل له: هي من التي قال الله عزّ وجلّ : {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ}؟ قال: تلك السكينة في التابوت، وكانت فيه طست تغسل فيها قلوب الأنبياء، وكان التابوت يدور في بني إسرائيل مع الأنبياء.. » [قرب الإسناد ص373، الكافي ج3 ص472].
وأخرجه العيّاشيّ من وجهٍ آخر عن العبّاس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: « سمعته وهو يقول للحسن: أيّ شيء السكينة عندكم؟ وقرأ: فـ{أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ}، فقال له الحسن: جعلت فداك، لا أدري، فأيّ شيء؟ قال: ريح تخرج من الجنّة طيّبة، لها صورة كصورة وجه الإنسان، قال: فتكون مع الأنبياء، فقال له عليّ بن أسباط: تنزل على الأنبياء والأوصياء؟ فقال : تنزل على الأنبياء [والأوصياء]، قال: وهي التي نزلت على إبراهيم (ع) حيث بنى الكعبة، فجعلت تأخذ كذا وكذا، وبنى الأساس عليها، فقال له محمّد بن عليّ: قول الله: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}، قال: هي من هذا، ثمّ أقبل على الحسن فقال: أيّ شيء التابوت فيكم؟ فقال: السلاح، فقال: نعم هو تابوتكم، فقال: فأيّ شيء في التابوت الذي كان في بني إسرائيل؟ قال: كان فيه ألواح موسى التي تكسّرت، والطست التي تغسل فيها قلوب الأنبياء » [تفسير العياشيّ ج1 ص133].
وأخرج طرفه الأوّل – أي تفسيره بالريح الجنّاويّة -: الكلينيّ عن ابن فضّال وابن أسباط [الكافي ج4 ص206، وج5 ص257]، والعياشيّ عن ابن فضّال [تفسير العياشي ج2 ص84]، والصدوق عن ابن همام [عيون أخبار الرضا ج1 ص278، معاني الأخبار ص284، من لا يحضره الفقيه ج2 ص246]، جميعهم عن الرضا (عليه السلام) .
ومعنى الحديث: أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) يفسّر السكينة بأنّها « ريح تخرج من الجنّة طيّبة، لها صورة كصورة وجه الإنسان »، ويقول في تفسير الآية: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ} بأنّ بقية التركة هي الألواح، والسكينة هي الطست التي تغسل فيه قلوب الأنبياء، فقوله (عليه السلام) – في رواية ابن أسباط -: « تلك السكينة في التابوت، وكانت فيه طست تغسل فيها قلوب الأنبياء » يعني السكينة في التابوت – لا أنّ في إتيان التابوت سكينةً -، وهذه السكينة التي في التابوت على هيئة طست تغسل فيها قلوب الأنبياء، فالطستُ بيان لهيئة السكينة التي في التابوت، وقوله (عليه السلام) – في رواية ابن هلال -: « هي من هذا… كان فيه ألواح موسى التي تكسّرت، والطست التي تغسل فيها قلوب الأنبياء »، يعني أنّ هذه السكينة التي في التابوت من تلك السكينة التي هي ريح من الجنّة، والسكينة التي في التابوت عبارة عن طست تُغسل فيها قلوب الأنبياء.
هذا معنى الحديث، فيستفاد من ذلك وجود معنيين للسكينة، أحدهما ريح طيبة، والآخر الطست . وقد ذكر المفسِّرون هذين المعنيين في معنى السكينة، منهم المفسّر الشهير ابن جرير الطبريّ في [جامع البيان ج2 ص826ـ828]، فإنّه قال: (اختلف أهل التأويل في معنى السكينة، فقال بعضهم: هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان..) ورواه باستفاضة من طريق أبي وائل وأبي الأحوص وسلمة وخالد عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقال أيضاً: (وقال آخرون: إنّما هي طست من ذهب، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء..)، ورواه عن ابن عبّاس والسديّ.
وقد رجّح المفسّر الطبريّ تفسيرها بـ « الشيء تسكن إليه النفوس من الآيات التي تعرفونها »، وأرجع إلى هذا المعنى بقيّةَ المعاني المتقدّمة قائلاً: (لأنّ كلّ ذلك آيات كافيات تسكن إليهن النفوس وتثلج بهن الصدور) [جامع البيان ج2 ص829].
الثاني: لو تنزّلنا عـمّا سبق، فنقول: إنّ الحديث لا يدلّ على حادثة شقّ الصدر؛ للاختلاف الواضح البيّن؛ إذ إنّ حادثة شقّ الصدر تتضمّن شقّ الملائكة لصدر النبيّ (ص) شقّاً جسديّاً، وإخراج للقلب وشقّه أيضاً وإخراج مضغة سوداء منه هي حظّ الشيطان، ثمّ غسله.
بينما حديث الطست يدلّ على أنّ تابوت بني إسرائيل يحتوي على طست تُغسل فيه قلوب الأنبياء، وهي لا تبيّن كيفيّة الغسل – إذ يمكن إرادة الغسل المعنويّ أو في المنام -، ولا شقّ القلب وإخراج النكتة السوداء التي هي نصيب الشيطان، ولا أنّ ذلك من فعل الملائكة، ولا أنّها من خصائص النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ولا غير ذلك ممّا يرويه المخالفون.
فهذا الحديث مجملٌ من هذه الحيثيّات، ولا يمكن حمله على ما يرويه العامّة من حادثة شقّ الصدر لمجرّد الاشتراك في قضيّة (غسل القلب)؛ إذ غسل القلب يمكن أن يكون بأنحاء متعدّدة، ولا ينحصر بشقّ الصدر الماديّ.
ولهذا نجد مثل ابن حجر العسقلانيّ يرى أنّ هذا الحديث فيه إشعارٌ على حادثة شقّ الصدر، ولا يرقى لمستوى الدلالة والظهور حتّى يمكن الاستدلال به، يقول: (اختُلف هل كان شقّ صدره وغسله مختصّاً به أو وقع لغيره من الأنبياء؟ وقد وقع عند الطبراني في قصّة تابوت بني إسرائيل: أنّه كان فيه الطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء، وهذا مشعر بالمشاركة) [فتح الباري ج7 ص158].
الثالث: لو سلّمنا ما سبق، فنقول: يمكن أن تكون هذه الفقرة: « طست تغسل فيه قلوب الأنبياء » صادرة من المعصوم (عليه السلام) على نحو التقيّة والمداراة مع العباسيّين؛ لأنّ تفسير السكينة بالطست هو قول الصحابي عبد الله بن العبّاس – كما ذكرنا سابقاً -.
قال المحقّق الشيخ عبدالرحيم الربانيّ – تعليقاً على الحديث -: (لا يخلو عن غرابة، والظاهر أنّه صدر موافقاً لِـما يقوله العامّة) [بحار الأنوار ج13 ص443 الحاشية]. وقال أيضاً: (ورد مورد التقيّة وموافقة العامّة) [بحار الأنوار ج13 ص445 الحاشية].
هل ورد حديث شق صدر النبي (ص) عند الإمامية بإسناد معتبر؟
السؤال:
يقال: إنّه ورد في حديث الشيعة حادثة شق صدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بإسناد معتبر عن أبي الحسن (عليه السلام): « طشت تغسل فيها قلوب الأنبياء »، فما تقولون؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكرنا في جوابٍ سابق: أنّ المخالفين انفردوا برواية حادثة شقّ صدر النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وموقف الإماميّة من هذا الحديث أنّه شاذّ منكر، مخالف للعقل والشرع، كما صرّح جملة من علمائنا الأبرار، ومـا يُتراءى في بعض مصادرنا فإنّـما هو منقول من طرق ومصادر العامّة.
وأمّـا ما زعمه بعضُهم: من أنّ حادثة شقّ الصدر مرويّة عند الإماميّة بطرق معتبرةٍ بلفظ: « طست تُغسل فيه قلوب الأنبياء »، فهو مردود، غير صحيح جملة وتفصيلاً، فنقول في بيان ذلك:
إنّ الحديث أخرجه الحميريّ والكافي بأسانيد معتبرة عن عليّ بن أسباط، قال – في حديثٍ -: « قلنا لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أصلحك الله، ما السكينة؟ قال: ريح تخرج من الجنّة، لها صورة كصورة الإنسان، ورائحة طيبة، وهي التي نزلت على إبراهيم، فأقبلت تدور حول أركان البيت وهو يضع الأساطين، قيل له: هي من التي قال الله عزّ وجلّ : {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ}؟ قال: تلك السكينة في التابوت، وكانت فيه طست تغسل فيها قلوب الأنبياء، وكان التابوت يدور في بني إسرائيل مع الأنبياء.. » [قرب الإسناد ص373، الكافي ج3 ص472].
وأخرجه العيّاشيّ من وجهٍ آخر عن العبّاس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: « سمعته وهو يقول للحسن: أيّ شيء السكينة عندكم؟ وقرأ: فـ{أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ}، فقال له الحسن: جعلت فداك، لا أدري، فأيّ شيء؟ قال: ريح تخرج من الجنّة طيّبة، لها صورة كصورة وجه الإنسان، قال: فتكون مع الأنبياء، فقال له عليّ بن أسباط: تنزل على الأنبياء والأوصياء؟ فقال : تنزل على الأنبياء [والأوصياء]، قال: وهي التي نزلت على إبراهيم (ع) حيث بنى الكعبة، فجعلت تأخذ كذا وكذا، وبنى الأساس عليها، فقال له محمّد بن عليّ: قول الله: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}، قال: هي من هذا، ثمّ أقبل على الحسن فقال: أيّ شيء التابوت فيكم؟ فقال: السلاح، فقال: نعم هو تابوتكم، فقال: فأيّ شيء في التابوت الذي كان في بني إسرائيل؟ قال: كان فيه ألواح موسى التي تكسّرت، والطست التي تغسل فيها قلوب الأنبياء » [تفسير العياشيّ ج1 ص133].
وأخرج طرفه الأوّل – أي تفسيره بالريح الجنّاويّة -: الكلينيّ عن ابن فضّال وابن أسباط [الكافي ج4 ص206، وج5 ص257]، والعياشيّ عن ابن فضّال [تفسير العياشي ج2 ص84]، والصدوق عن ابن همام [عيون أخبار الرضا ج1 ص278، معاني الأخبار ص284، من لا يحضره الفقيه ج2 ص246]، جميعهم عن الرضا (عليه السلام) .
ومن الواضح أنّ هذه الأحاديث تحكي حادثة واحدة، رُويت بأكثر من وجهٍ.
ومعنى الحديث: أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) يفسّر السكينة بأنّها « ريح تخرج من الجنّة طيّبة، لها صورة كصورة وجه الإنسان »، ويقول في تفسير الآية: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ} بأنّ بقية التركة هي الألواح، والسكينة هي الطست التي تغسل فيه قلوب الأنبياء، فقوله (عليه السلام) – في رواية ابن أسباط -: « تلك السكينة في التابوت، وكانت فيه طست تغسل فيها قلوب الأنبياء » يعني السكينة في التابوت – لا أنّ في إتيان التابوت سكينةً -، وهذه السكينة التي في التابوت على هيئة طست تغسل فيها قلوب الأنبياء، فالطستُ بيان لهيئة السكينة التي في التابوت، وقوله (عليه السلام) – في رواية ابن هلال -: « هي من هذا… كان فيه ألواح موسى التي تكسّرت، والطست التي تغسل فيها قلوب الأنبياء »، يعني أنّ هذه السكينة التي في التابوت من تلك السكينة التي هي ريح من الجنّة، والسكينة التي في التابوت عبارة عن طست تُغسل فيها قلوب الأنبياء.
هذا معنى الحديث، فيستفاد من ذلك وجود معنيين للسكينة، أحدهما ريح طيبة، والآخر الطست . وقد ذكر المفسِّرون هذين المعنيين في معنى السكينة، منهم المفسّر الشهير ابن جرير الطبريّ في [جامع البيان ج2 ص826ـ828]، فإنّه قال: (اختلف أهل التأويل في معنى السكينة، فقال بعضهم: هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان..) ورواه باستفاضة من طريق أبي وائل وأبي الأحوص وسلمة وخالد عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقال أيضاً: (وقال آخرون: إنّما هي طست من ذهب، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء..)، ورواه عن ابن عبّاس والسديّ.
إذا عرفتَ هذا، فنقول: إنّ هذا الحديث لا يُـراد به ما يدلّ على حادثة شقّ الصدر التي يرويها المخالفون؛ لوجوه عديدة:
الأوّل: أنّ (السكينة) على وزن فعيلة من السكون، وقد فُسِّرت في الأخبار والآثار عند الفريقين بـ: « ريح من الجنّة »، و« روح من الله يتكلّم »، و« طست تغسل فيه قلوب الأنبياء »، و« آية يسكنون إليها »، و« الرحمة »، و« الوقار »، وغير ذلك.
وقد رجّح المفسّر الطبريّ تفسيرها بـ « الشيء تسكن إليه النفوس من الآيات التي تعرفونها »، وأرجع إلى هذا المعنى بقيّةَ المعاني المتقدّمة قائلاً: (لأنّ كلّ ذلك آيات كافيات تسكن إليهن النفوس وتثلج بهن الصدور) [جامع البيان ج2 ص829].
وقال العلّامة المجلسيّ – تعليقاً على كلام الطبرسيّ عند ذكر معاني السكينة -: (يمكن الجمع بين ما ورد في أخبارنا من معنى السكينة: بأنّ المراد جميع ذلك، وإنّـما ورد في كلّ خبرٍ بعضُ ما هو داخلٌ فيها) [بحار الأنوار ج13 ص445].
وقال السيّد السبزواريّ: (المستفاد من مجموع الأخبار الواردة في تفسير السكينة: أنّها أمرٌ معنويّ من عالـم الغيب، مؤيّد من قبل الله تعالى، فيه إدراكٌ وشعورٌ، ولا ينافي ذلك تصوّرها بصور مختلفة؛ لأنّ ذلك من شأن موجودات عالَـم الغيب.. فجميع الروايات تشير إلى معنى واحد – وهو الأمر المعنويّ من عالَـم الغيب – وإنْ كانت العبارات مختلفة) [مواهب الرحمن ج4 ص174].
فجميع ما ذكره المفسّرون والعلماء في معنى السكينة هي أمور معنويّة؛ لأنّ السكينة أمر معنويّ، لا ماديّ، وهذا يعني أنّ تفسير السكينة بـ « طست يغسل فيه قلوب الأنبياء » لا يُـراد به الغسل الماديّ، أعني إخراج القلب من الصدر وغسله في هذا الطست – كما في حادثة شقّ الصدر -، وإنّـما يُـراد به الغسل المعنويّ الذي يتناسب مع معنى السكينة والطمأنينة.
إذن: الحديث الرضويّ الوارد: « طست يغسل فيه قلوب الأنبياء » لا يدلّ بوجهٍ على حادثة شقّ الصدر التي يرويها المخالفون، وإنّـما يشير إلى قضيّة معنويّة تقتضي السكون والطمأنينة.
الثاني: لو تنزّلنا عـمّا سبق، فنقول: إنّ الحديث لا يدلّ على حادثة شقّ الصدر؛ للاختلاف الواضح البيّن؛ إذ إنّ حادثة شقّ الصدر تتضمّن شقّ الملائكة لصدر النبيّ (ص) شقّاً جسديّاً، وإخراج للقلب وشقّه أيضاً وإخراج مضغة سوداء منه هي حظّ الشيطان، ثمّ غسله.
بينما حديث الطست يدلّ على أنّ تابوت بني إسرائيل يحتوي على طست تُغسل فيه قلوب الأنبياء، وهي لا تبيّن كيفيّة الغسل – إذ يمكن إرادة الغسل المعنويّ أو في المنام -، ولا شقّ القلب وإخراج النكتة السوداء التي هي نصيب الشيطان، ولا أنّ ذلك من فعل الملائكة، ولا أنّها من خصائص النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ولا غير ذلك ممّا يرويه المخالفون.
فهذا الحديث مجملٌ من هذه الحيثيّات، ولا يمكن حمله على ما يرويه العامّة من حادثة شقّ الصدر لمجرّد الاشتراك في قضيّة (غسل القلب)؛ إذ غسل القلب يمكن أن يكون بأنحاء متعدّدة، ولا ينحصر بشقّ الصدر الماديّ.
ولهذا نجد مثل ابن حجر العسقلانيّ يرى أنّ هذا الحديث فيه إشعارٌ على حادثة شقّ الصدر، ولا يرقى لمستوى الدلالة والظهور حتّى يمكن الاستدلال به، يقول: (اختُلف هل كان شقّ صدره وغسله مختصّاً به أو وقع لغيره من الأنبياء؟ وقد وقع عند الطبراني في قصّة تابوت بني إسرائيل: أنّه كان فيه الطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء، وهذا مشعر بالمشاركة) [فتح الباري ج7 ص158].
الثالث: لو سلّمنا ما سبق، فنقول: يمكن أن تكون هذه الفقرة: « طست تغسل فيه قلوب الأنبياء » صادرة من المعصوم (عليه السلام) على نحو التقيّة والمداراة مع العباسيّين؛ لأنّ تفسير السكينة بالطست هو قول الصحابي عبد الله بن العبّاس – كما ذكرنا سابقاً -.
قال المحقّق الشيخ عبدالرحيم الربانيّ – تعليقاً على الحديث -: (لا يخلو عن غرابة، والظاهر أنّه صدر موافقاً لِـما يقوله العامّة) [بحار الأنوار ج13 ص443 الحاشية]. وقال أيضاً: (ورد مورد التقيّة وموافقة العامّة) [بحار الأنوار ج13 ص445 الحاشية].
بحث في عمر النبي مع امه
بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ١٥ – الصفحة ٤٠١
سنة تكلم بكلام لم أسمع أحسن منه، سمعته يقول: (قدوس قدوس، نامت العيون و الرحمن لا تأخذه سنة ولا نوم) ولقد ناولتني امرأة كف تمر من صدقة فناولته منه وهو ابن ثلاث سنين فرده علي، وقال: يا أمه لا تأكلي الصدقة، فقد عظمت نعمتك، وكثر خيرك، فإني لا آكل الصدقة، قالت: فوالله ما قبلتها بعد ذلك (1).
29 – ثم قال الكاذروني: روي أن شق صدره صلى الله عليه وآله كان في سنة ثلاث من مولده وقيل: في سنة أربع على ما روي عن محمد بن سعد، عن محمد بن عمر، عن أصحابه قال: مكث صلى الله عليه وآله عندهم سنتين حتى فطم، وكان ابن أربع سنين فقدموا به على أمه زائرين لها به، وأخبرتها حليمة خبره وما رأوا من بركته، فقالت آمنة (2): ارجعي بابني فإني أخاف عليه وباء مكة، فوالله ليكونن له شأن، فرجعت به، ولما بلغ أربع سنين أتاه الملكان فشقا بطنه، ثم نزلت به إلى آمنة وأخبرتها خبره، ثم رجعت به أيضا “، وكان عندها سنة ونحوها (3) لا تدعه يذهب مكانا ” بعيدا “، ثم رأت غمامة تظله إذا وقف وقفت، وإذا سار سارت، فأفزعها ذلك أيضا ” من أمره، فقدمت به إلى أمه لترده وهو ابن خمس سنين، فأضلته في الناس فالتمسته فلم تجده، وذكر نحو ما تقدم (4).
وقد روي أن عبد المطلب بعثه صلى الله عليه وآله في حاجة وضاع (5)، وفي الاخبار أن حليمة قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة وقد تزوج بخديجة فشكت إليه جدب البلاد وهلاك الماشية فكلم رسول الله صلى الله عليه وآله خديجة، فأعطتها أربعين شاة وبعيرا “، وانصرفت إلى أهلها، ثم قدمت عليه صلى الله عليه وآله بعد الاسلام فأسلمت هي وزوجها (6).
وروي في الحديث: استأذنت امرأة على النبي صلى الله عليه وآله كانت أرضعته، فلما دخلت
(١) كنز الفوائد: ٧٢ وفيه: ما قبلتها بعد ذلك من أحد من العالمين.
(2) تقدم قبلا أن حليمة استدعت ذلك.
(3) في المصدر: أو نحوها.
(4) في المصدر نحو ما تقدم في الاختلاس منها.
(5) في المصدر بعد قوله: وضاع: فقال: اللهم رد راكبي محمدا. القصة كما مرت.
(6) زاد في المصدر: وبايعهما.
(٤٠١)
رواية الكازورني
سير أعلام النبلاء
الذهبي – شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
صفحة
171
جزء
18
الكازروني
الإمام الأوحد ، شيخ الشافعية أبو عبد الله ; محمد بن بيان بن محمد الكازروني ، المقرئ ، فقيه أهل آمد .
حدث عن : أحمد بن الحسين بن الصياح البلدي ، والقاضي أبي عمر الهاشمي ، وابن رزقويه وابن أبي الفوارس . وقرأ القرآن على الحمامي وغيره . [ ص: 172 ] ارتحل إليه الفقيه نصر المقدسي ، وتفقه عليه . وقرأ عليه القرآن أبو علي الفارقي الفقيه .
وحدث عنه : أبو غانم عبد الرزاق المعري وعبد الله بن الحسن النحاس ، وإبراهيم بن فارس ، وآخرون .
وحدث بدمشق ، قدمها للحج .
قال ابن عساكر : حدثني ضبة بن أحمد أنه لقيه ، وسمع منه .
قال ابن النجار : توفي سنة خمس وخمسين وأربعمائة .