الغرانيق جمع غَرْنوق ، وهو طائر أبيض من طيور الماء يشبه الكركي ، يعلو في طيرانه . وقد شبهت به قريش أصنامها المفضلة عندها على كل أصنام العرب: اللات ، والعزى ، ومُناة ، لأن مقامها عند الله بزعمها مقامٌ عال كطائر الغرنوق ! (النهاية:3/364 ، والعين:4/458 ، ولسان العرب:10/287) قال الرازي في تفسيره:24/12:(والغرانيق تصعد في الجو جداً عند الطيران ، فإن حجب بعضها عن بعض ضباب أو سحاب ، أحدثت عن أجنحتها حفيفاً مسموعاً يلزم به بعضها بعضاً ، فإذا نامت على جبل فإنها تضع رؤوسها تحت أجنحتها ، إلا القائد فإنه ينام مكشوف الرأس فيسرع انتباهه وإذا سمع جرساً صاح). انتهى.
نظرة الشيعة حفظهم الله للحديث
ذكر القران الكريم موقف النبي من الأصنام من أول بعثته كان موقفه صريح حاسم الى عبادة رب العالمين وحده لاشريك له ولم يتهاون او يتقول على الله سبحانه قط. وكانت سور القرآن واياته تنزل متتالية تهاجم الأصنام وعُبَّادها حتى قال القرشيون لأبي طالب كما تذكر كتب التاريخ وكما جاء فيسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد الصالحي – محمد بن يوسف الصالحي الشامي جزء الثاني
[ ص: 326 ] الباب السابع في مشي قريش إلى أبي طالب ليكف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومرة أخرى فقالوا له : يا أبا طالب إن لك سنا وإن لك شرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين . أو كما قالوا له . ثم انصرفوا عنه .
و نزلت سورة النجم ، بعد أكثر من عشرين سورة من القرآن كلها صريحة في رفض الأصنام منها سورة الكافرون وقل هو الله أحد !
وهنا جائت سورة النجم ذمَّت أصنام قريش الثلاثة بأسمائها فقال الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخرى .أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنثى . تِلْكَ إذا قِسْمَةٌ ضِيزَى . إِنْ هي إِلاأَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أنزل اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى . (19 ـ 23)
فكان ذلك إعلاناً بتسفيه أصنامهم (اللات والعزى ومناة ) وإسقاطها إلى الأبد !
فتصاعدت مؤامراتهم عليه حتى وصلت الى قرار قتله فامره الله سبحانه بالهجرة بطريقة اعجازية اخرى تثبت نبؤته .
فسارع طلقاء قريش من ترويج هذه القصة بعد وفاة النبي (ص) ونسبتها اليه لغرض إثبات أن النبي لم يكن معصوماً عصمة مطلقة حتى تكون كل تصرفاته وأقواله حجة وانما كان يخطئ حتى في تبليغ الوحي بل وخان الوحي خيانة واضحة بسجوده للاصنام!
وبذلك يتسرب الشك عند المسلم بدينه ويمكن تبريرمخالفة الخلفاء والسلطة لأوامره وتغيير شريعته !
وزادت الرواية المزعومة أن زعماء قريش طاروا فرحاً بخيانة النبيصلى الله عليه واله وحاشاه في نص القرآن !
وعن ابن عباس أن النبي(ص)سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون ، والجن والإنس ورواه ابن طهمان عن أيوب ).
وفي:4/239: (عن عبد الله قال: قرأ النبي(ص)النجم فسجد ، فما بقي أحد إلا سجد إلارجل رأيته أخذ كفاً من حصى فرفعه فسجد عليه وقال: هذا يكفيني، فلقد رأيته بعد قتل كافراً بالله ) .
وفي:5/7: بنحوه . وفي:6/52: (قال فسجد رسول الله(ص)وسجد مَن خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً وهو أمية بن خلف).انتهى.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح] الراوي : عبدالله بن مسعود| المصدر :صحيح مسلم| الرقم : 576 | التخريج : أخرجه البخاري (1067) باختلاف يسير
وقال الحاكم في المستدرك:1/221: (عن عبد الله قال: أول سورة قرأها رسول الله’على الناس الحج ، حتى إذا قرأها سجد فسجد الناس ، إلا رجل أخذ التراب فسجد عليه فرأيته قتل كافراً . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين بالإسنادين جميعاً ، ولم يخرجاه ، إنما اتفقا على حديث شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله أن النبي قرأ والنجم ، فذكره بنحوه ، وليس يعلل أحد الحديثين الأخيرين ، فإني لا أعلم أحداً تابع شعبة على ذكره النجم ، غير قيس بن الربيع . والذي يؤدي إليه الإجتهاد صحة الحديثين، والله أعلم) . انتهى.
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَجَدَفيها –يعني {وَالنَّجْمِ}- وسَجَدَفيهاالمسلمونَوالمشركونَوالإنسُوالجنُّ.
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط البخاري الراوي : عبدالله بن عباس| المحدث : الحاكم| المصدر : المستدرك على الصحيحين الصفحة أو الرقم : 3791
2 – سجد رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها – يعني النَّجْمَ – والمسلمونَ، والمشركونَ، والجنُّ، والإنسُ
خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح الراوي : عبدالله بن عباس| المحدث : الترمذي| المصدر : سنن الترمذي الصفحة أو الرقم : 575التخريج : أخرجه البخاري (4862)، والترمذي (575) واللفظ له
3 – سجد رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيها – يعني النجمَ – والمسلمون، والمشركون، والجنُّ، والإنسُ
خلاصة حكم المحدث : صحيح الراوي : عبدالله بن عباس| المحدث : الألباني| المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم : 575التخريج : أخرجه البخاري (4862)، والترمذي (575) واللفظ له
عن ابن عباس – فيما يحسب سعيد بن جبير – أن النبي صلى الله عليه و سلم كان بمكة فقرأ سورة والنجم حتى انتهى إلى : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى }فجرى على لسانه : تلك الغرانيق العلى الشفاعة منهم ترتجى . قال : فسمع بذلك مشركو أهل مكة فسروا بذلك . فاشتد على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله تبارك وتعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته }
( قصة الغرانيق باطلة كما قرر ذلك جمع من الأئمة والحفاظ منهم : أبو بكر بن العربي المالكي في أحكام القرآن والقاضي عياض في الشفا وفخر الدين الرازي في مفاتح الغيب 6 / 193 ، والقرطبي في تفسيره 12 / 80 ، والعيني في عمدة القاري 9 / 47 ، والشوكاني في فتح القدير 3 / 247 ، والآلوسي في روح المعاني 17 / 160 ، وغيرهم من الأئمة الأعلام رحم الله الجميع . – دار الحديث – ) . 249
رواه البزار والطبراني وزاد إلى قوله : { عذاب يوم عقيم } يوم بدر
ورجالهما رجال الصحيح إلا أن الطبراني قال : لا أعلمه إلا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد تقدم حديث مرسل في سورة الحج أطول من هذا ولكنه ضعيف الإسناد
ويقصد بالحديث المرسل الحديث الذي ضعفوه بابن لهيعة ، وقد وثقه عدد من علمائهم ، وله شواهد صحيحة تجعله حسناً ، وهو في مجمع الزوائد:7/70، وفيه: (حين أنزل الله السورة التي يذكر فيها والنجم إذا هوى ، فقال المشركون: لوكان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ، فإنه لا يذكر أحداً ممن خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر . فلما أنزل الله السورة التي يذكر فيها والنجم وقرأ: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخرى ، ألقى الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت ، فقال: وإنهم من الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى ، وذلك من سجع الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك ، وذلقت بها ألسنتهم واستبشروا بها ، وقالوا: إن محمداً قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه ، فلما بلغ رسول الله (ص)آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضره من مسلم ومشرك ، غير أن الوليد بن المغيرة كان كبيراً فرفع ملء كفه تراب فسجد عليه ، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)! فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقين ، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين . وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي(ص)وحدثهم الشيطان أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم)قد قرأها في السجدة فسجدوا لتعظيم آلهتهم ، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة ! فلما سمع عثمان بن مظعون وعبدالله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه ، أقبلوا سراعاً ! فكبُر ذلك على رسول الله(ص)فلما أمسى أتاه جبريل فشكا إليه ، فأمره فقرأ له ، فلما بلغها تبرأ منها جبريل وقال: معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك !! فلما رأى ذلك رسول الله(ص)شق عليه وقال: أطعتُ الشيطان وتكلمتُ بكلامه وشرَّكني في أمر الله ! فنسخ الله ما يلقى الشيطان وأنزل عليه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِىٍّ إلا إذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وإن الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ). (الحج:52 ـ 53). فلما برأه الله عز وجل من سجع الشيطان وفتنته ، انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم . فذكر الحديث وقد تقدم في الهجرة إلى الحبشة. رواه الطبراني مرسلاً وفيه ابن لهيعة ، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة ) . انتهى.أقول: ماذنب ابن لهيعة إذا روى ما وضعه رواة قريش قبل أن يولد ؟!
وقد أورد السيوطي قصة الغرانيق في الدر المنثور:4/194، بعدة طرق بعضها صحيح ، وقال في ص366: (وأخرج البزار ، والطبراني ، وابن مردويه ، والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات ، من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله(ص)قرأ: أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثةالأخرى ، تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ! ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا . فجاء جبريل فقال: إقرأ على ما جئتك به ، فقرأ: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثةالأخرى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى! فقال: ما أتيتك بهذا ! هذا من الشيطان فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِىٍّ إلا إذا تَمَنَّى.. إلىآخر الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، بسند صحيح ، عن سعيد بن جبير … !!). انتهى. أقول: مع كل ذلك نفوا أن يكون البخاري ومسلمً روياها ، أويكون لها سند صحيح ! فلو قطعنا النظر عن رواية ابن لهيعة ، فقد رايت أنه رواها البزار والطبراني بسند صحيح ، والمختارة بسند موثق ، وقد رواها البخاري في ست مواضع ، ومسلماً في موضعين! وقد رأيت قول البيهقي عن سجود النبي’والمشركين في سورة النجم: (رواه البخاري في الصحيح عن أبي معمر) ، أي سجود المشركين في سورة النجم ! فهل يبقى معنى لإنكارهم إلا المكابرة، والتعسف لجعل رواية البخاري ومسلم موضوعاً آخر ، لأنهما حذفا منها فقرة الغرانيق ! ولم يوردا عودة المهاجرين المزعومة! مع أن حادثة سجود المشركين مع النبي’لم يروها أحد أبداً إلا في أسطورة الغرانيق ، فهي قصة واحدة لا أكثر ؟! وابن كثير الذي يعيش بين أحاديث البخاري ومسلم وغيرهما ، هل غاب عنه ذلك حتى يقول في تفسيره: ( قد ذكر كثير من المفسرين هنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير من مهاجرة الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ، ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها من وجه صحيح) . ثم يقول: (وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا ، وكلها مرسلات ومنقطعات ، والله أعلم ) .انتهى . أطمئن بأن ابن كثير والرازي والبيهقي وغيرهم ، يعرفون رواية البخاري ومسلم لها ، فقد قرؤوا رواياتهما في سجود المشركين مع النبي’، وهو أمرٌ لم يُروَ أبداً إلا في قصة الغرانيق ! لكنهم يقولون الحمد لله حيث أن البخاري ومسلماً لم يذكرا الغرانيق ، ولا رجوع المسلمين من الحبشة ، فنقول إنهما لم يروياها ! ولا يتسع المجال لإيراد كل كلام ابن كثير الكثير ، فقد أطال بلا طائل ، فقال في تفسيره:3/239 ، مضافاً الى ما تقدم: ( قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قرأ رسول الله(ص)بمكة النجم فلما بلغ هذا الموضع:أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، قال: فألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتجى قالوا ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم ، فسجد وسجدوا….. ورواه ابن جرير عن بندار عن غندر عن شعبة به بنحوه وهو مرسل . وقد رواه البزار في مسنده ، عن يوسف بن حماد ، عن أمية بن خالد ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فيما أحسب الشك في الحديث: أن النبي(ص)قرأ بمكة سورة النجم حتى انتهى إلى: أفرأيتم اللات والعزى وذكر بقيته…. ثم قال البزار: لا نعلمه يروى متصلاً إلا بهذا الإسناد تفرد بوصله أمية بن خالد ، وهو ثقة مشهور ….. ثم رواه ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية ، وعن السدي ، مرسلاً . وكذا رواه ابن جرير ، عن محمد بن كعب القرظي ، ومحمد بن قيس مرسلاً أيضاً ، وقال قتادة: كان النبي(ص)يصلي عند المقام إذ نعس فألقى الشيطان على لسانه وإن شفاعتها لترتجي وإنها لمع الغرانيق العلى ، فحفظها المشركون وأجرى الشيطان أن النبي(صلى الله عليه واله وسلم)قد قرأها فذلقت بها ألسنتهم….. ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي ، حدثنا محمد بن إسحاق الشيبي ، حدثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: أنزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون لوكان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر . وكان رسول الله(ص)قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنه ضلالهم ، فكان يتمنى هداهم ، فلما أنزل الله سورة النجم قال: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . ألكم الذكر وله الأنثى ، ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت فقال: وإنهن لهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى ، وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة ، وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا: إن محمداً قد رجع إلى دينه الأول ، ودين قومه ! فلما بلغ رسول الله(ص)آخر النجم سجد وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك ، غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلاًَ كبيراً فرفع ملءكفه تراباً فسجد عليه ، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود ، لسجود رسول الله(ص)….. وقد ساقها البغوي في تفسيره مجموعة من كلام ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما بنحو من ذلك ، ثم سأل ههنا سؤالاً: كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله تعالى لرسوله صلاة الله وسلامه عليه ، ثم حكى أجوبة عن الناس من ألطفها أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك ، فتوهموا أنه صدر عن رسول الله(ص)وليس كذلك في نفس الأمر ، بل إنما كان من صنيع الشيطان لا عن رسول الرحمن(ص). والله أعلم .وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته ، وقد تعرض القاضي عياض رحمه الله في كتاب الشفاء لهذا وأجاب بما حاصله أنها كذلك لثبوتها ) !! انتهى . وأنت تلاحظ أن نفيه لها نفي مضطرب خجول ، وكأنه يستبطن القبول ! وقال القسطلاني في شرح البخاري: وقد طعن في هذه القصة وسندها غير واحد من الأئمة ، حتى قال ابن إسحاق وقد سئل عنها: هي من وضع الزنادقة . وقال القاضي عياض: إن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه أحد بسند متصل ، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب ، المتلقفون عن الصحف كل صحيح وسقيم ! ثم نقل قول أبي بكر بن العربي: إن جميع ما ورد في هذه القصة لا أصل له) ! (هامش عصمة الأنبياء للرازي ص94) . وذكر عبد الله النعيم في كتابه الإستشراق في السيرة النبوية ـ نشرالمعهد العالمي للفكر الإسلامي1417، أن المصادرَ التي روت حديث الغرانيق هي: طبقات ابن سعد:1/205 ، وتاريخ الطبري:2/226 ، وتاريخ ابن الأثير:2/77 ، وسيرة ابن سيد الناس:1/157 ! وقال في ص97: (يعتبر الواقدي أول من روَّج لهذه الفرية ، ثم أخذها عنه ابن سعد ، والطبري ، وغيرهم). ونقل في ص93: ( نقْدَ القرضاوي في كتابه (كيف نتعامل مع السنة النبوية) وجاء فيه: (ومعنى هذا أن تفهم السنة في ضوء القرآن ، ولهذا كان حديث الغرانيق مردوداً بلا ريب ، لأنه منافٍ للقرآن ) . انتهى . وقال في ص98: (ولم يروِ ابن إسحاق وابن هشام هذه الواقعة إطلاقاً . ومهما يكن من أمر فالواقدي هو أصلها . إن ما يدعو للتساؤل هو: كيف أمكن تمرير هذه الواقعة مع علم أصحابها بعصمة الرسل) . انتهى . ثم نقل نقد القاضي عياض في كتابه الشفا لحديث الغرانيق سنداً ومتناً . أقول: لاقيمة لهذا لهذا النفي بعدما عرفت ، ولا معنىللإنكار إلا المكابرة ، فجميع من رواها يتحمل وزرها ! وهم البخاري ومسلم وغيرهما وإن خذفوا بعضها وأبقوا سجود النبي’المزعوم لأصنام قريش وسجود المشركين معه ! وقد سمَّوا من زعماء المشركين الذين سجدوا أمية بن خلف ، وأبا أحيحة ، وهو سعيد بن العاص ! وقد تبين لك أن بعض الحفاظ يستعملون التدليس وربما الكذب ! ليغطوا على البخاري ! ومن التدليس ما فعله الفخر الرازي عندما قال في تفسيره:23/49: (وأيضاً فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي(ص)قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن ، وليس فيه حديث الغرانيق ! وروي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق) !! تناقض الفخر الرازي في رواية الغرانيق ! بحث الفخر الرازي فرية الغرانيق في كتابه عصمة الأنبياء^وتفسيره:23/49 فدافع عن النبي’ونفاها عنه، ودافع عن البخاري وغيره من صحاحهم ! لكنه عاد في أواخر تفسيره:32/141 ، واتهم بها النبي’ !! قال في عصمة الأنبياء^ص93: ( الجواب الذي يدل على أنه×ما غيَّر وما بدَّل وجوه خمسة… وأورد ستة وجوه ، ومال الى الوجه الخامس فقال: الخامس ، أن المتكلم بذلك بعض الكفرة ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما انتهى من قراءة هذه السورة إلى هذا الموضع وذكر أسماء آلهتهم وقد علموا من عادته أنه يعيبها ، فقال بعض من حضر من الكفار:تلك الغرانيق العلا ، فاشتبه على القوم ، لأنهم كانوا يلغطون عند قراءته ويكثرون من الكلام طلباً لتغليطه وإخفاء قراءته) . انتهى. ولم يذكر الرازي أنه أخذ هذا الوجه من كتاب تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى! بل لم يشر الى الكتاب أصلاًً مع أنه تأثر بمنهجه كثيراً ، وهو مؤلفٌ قبله بأكثر من قرن ونصف وكان مشهوراً ، بل يمكن القول إن كتاب الرازي عصمة الأنبياء^ هو نفس كتاب تنزيه الأنبياء^للسيد المرتضى ، مصوغاً بقلم سني ! كما نفى هذه الفرية عن النبي’، في تفسيره ، قال الجزء23/49: ( المسألة الثانية: ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن الرسول(صلى الله عليه واله وسلم)لما رأى إعراض قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به تمنى…. الى آخر ما ذكره في كتاب العصمة ، ثم قال: ( هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين ، أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول… أما القرآن فوجوه….. وأما السنة فهي ما روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة ، وصنف فيه كتاباً . وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم . وأيضاً فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي(ص)قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن ، وليس فيه حديث الغرانيق . وروي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق . وأما المعقول فمن وجوه: أحدها: أن من جوَّز على الرسول(ص)تعظيم الأوثان فقد كفر ، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان … وخامسها: وهو أقوى الوجوه: أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه ، وجوًّزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ، ويبطل قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فإنه لافرق في العقل بين النقصان عن الوحي وبين الزيادة فيه . فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة. أكثر ما في الباب أن جمعاً من المفسرين ذكروها ، لكنهم ما بلغوا حد التواتر ، وخبر الواحد لايعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة ). انتهى. الى هنا يبدو الرازي منسجماً ، فقد وافق من قال إن القصة فريةٌ من الزنادقة القرشيين على النبي’، واتهام باطل بأنه مدحَ أصنامهم وسجد لها ، وسجد معه القرشيون ، وكل من في المسجد ! وقد عرفت ما في دفاعه عن البخاري وبقية مصادرهم التي روتها بطرق متعددة وصححتها ! لكنه عاد وخضع للثقافة القرشية الرسمية ، وصرح في تفسيره:32/141 ، بنسبة الكفر الى النبي’! فقال وهو يعدد فوائد كلمة”قل” في(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) !!: (الحادي والثلاثون: كأنه تعالى يقول: يا محمد ألست أنت الذي قلت: من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم ، وحتى أن بعض المشايخ قال لمريده الذي يريد أن يفارقه: لاتخف السلطان ، قال: ولمَ ؟ قال: لأنه يوقع الناس في أحد الخطأين ، أما أن يعتقدوا أن السلطان متدين لأنه يخالطه العالم الزاهد ، أو يعتقدوا أنك فاسق مثله ، وكلاهما خطأ . فإذا ثبت أنه يجب البراءة عن موقف التهم فسكوتك يا محمد عن هذا الكلام يجرُّ إليك تهمة الرضا بذلك لاسيما وقد سبق أنَّ الشيطان ألقى فيما بين قراءتك: تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ، فأزل عن نفسك هذه التهمة و: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) ! انتهى. فأين حملة الفخر الرازي على الزنادقة واضعي فرية الغرانيق ، وقوله إن النبي ’لم يغيِّر في سورة النجم ولم يبدِّل؟!! بل أين فتواه وقوله: (من جوَّز على الرسول(ص)تعظيم الأوثان فقد كفر ! لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان)؟! انتهى. فقد نسب هو هذه الفرية الى النبي’،وضلَّ عنه أن سورة الكافرون نزلت بالإتفاق قبل سورة النجم ، فجعلها بعدها !! قال الزركشي في البرهان:1/193:(أول مانزل من القرآن بمكة: إقرأ باسم ربك ، ثم نون ، ثم والقلم ، ثم يأيها المزمل ، ثم المدثر ، ثم تبت يدا أبي لهب ، ثم إذا الشمس كورت ، ثم سبح اسم ربك الأعلى ، ثم والليل إذا يغشى، ثم والفجر، ثم والضحى ، ثم ألم نشرح ، ثم والعشر ، ثم والعاديات ، ثم أنا أعطيناك الكوثر ، ثم ألهاكم التكاثر ، ثم أرأيت الذي ، ثم قل يأيها الكافرون ، ثم سورة الفيل ، ثم الفلق ، ثم الناس ، ثم قل هو الله أحد ، ثم والنجم إذا هوى ، ثم عبس وتولى). (راجع فهرست ابن النديم ص 28، وتفسير الميزان للطباطبائي:13/233) غرانيق قريش يتصيدها بروكلمان ومونتغمري في كتابه: (الإستشراق في السيرة النبوية) (منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1417) انتقد الباحث السوداني عبد الله النعيم استغلالَ المستشرقين لرواية الغرانيق، ونقل في ص51 افتراءَ المستشرق بروكلمان وقوله عن النبي’: (ولكنه على ما يظهر اعترف في السنوات الأولى من بعثته بآلهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونهن بنات الله ، وقد أشار إليهن في إحدى الآيات الموحاة إليه بقوله: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى… ثم ما لبث أن أنكر ذلك وتبرأ منه في اليوم التالي ) !! ونقل في ص96 عن المستشرق مونتغمري وات قوله:(تلا محمد الآيات الشيطانية باعتبارها جزءً من القرآن ، إذ ليس من المتصور أن تكون القصة من تأليف المسلمين أو غير المسلمين ، وإن انزعاج محمد حينما علم بأن الآيات الشيطانية ليست جزءً من القرآن ، يدل على أنه تلاها ، وأن عبادة محمد بمكة لاتختلف عن عبادة العرب في نخلة والطائف(محلتان لأصنام قريش) ولقد كان توحيد محمد غامضاً ، ولاشك أنه يعدُّ اللات والعزى ومناة كائنات سماوية أقل من الله). انتهى. ومع أن المستشرقين لايحتاجون إلى الروايات الموضوعة ليتشبثوا بها ، لأنهم يكذبون على نبينا’وعلى مصادرنا جهاراً نهاراً ، لكن المؤسف أن تحفل مصادر السنيين وفي طليعتها البخاري بالإفتراءات على النبي’في مثل قصة الغرانيق ، وقصة ورقة بن نوفل ، وغيرهما من القرشيات المخالفة للعقل ، فتقدِّم للمستشرقين مادةً ومستمسكاً للطعن في النبي’والقرآن والإسلام ! وقد بحثنا فرية الغرانيق في المجلد الخامس من العقائد الإسلامية . الأسئلة 1 ـ هل تقبلون هذه الفرية على رسول الله’؟! 2 ـ ما رأيكم في رواية البخاري ومسلم لها وحذفهما اسم الغرانيق منها ؟! 3 ـ مادام البخاري يروي أمثال هذه الطامات الكفرية ، فلماذا تصرون على أنه صحيح من الجلد الى الجلد ، ولاتخضعون رواياته للبحث العلمي ، ولا تعطون للمجتهدين حق الجرح والتعديل والبحث فيها ؟! 4 ـ ما رأيكم في تناقض الفخر الرازي في قصة الغرانيق ، وهل صحيح أن المجلد الأخير من تفسيره ليس بقلمه ، بل بقلم القمولي المصري ؟! 5 ـ ما قولكم في استغلال أعداء الإسلام أمثال بروكلمان ومونتغمري وسلمان رشدي ، لقصة الغرانيق ، وما سموه الآيات الشيطانية ، وهل تتحمل مصادركم إثم ذلك ؟! 6 ـ ألا ترون أن للخلافة القرشية ضلعاً في نشر فرية الغرانيق ؟