كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري
المؤلف: زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري (ت ٩٧٠ هـ)
وفي آخره: “تكملة البحر الرائق” لمحمد بن حسين بن علي الطوري الحنفي القادري [ت بعد ١١٣٨ هـ]
وبالحاشية: «منحة الخالق» لابن عابدين [ت ١٢٥٢ هـ]
الطبعة: الثانية
عدد الأجزاء:٨ (الثامن تكملة الطوري)
تصوير: دار الكتاب الإسلامي
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، ومعه حاشية منحة الخالق]
بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ الرَّابِعَ عَشَرَ: مِنْهَا إدْخَالُ خِنْصَرَيْهِ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ مِنْهَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي كُلِّ عُضْوٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ مِنْهُ) أَيْ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ خُرُوجُ نَجَسٍ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ وَالنَّجَسُ بِفَتْحَتَيْنِ اصْطِلَاحًا عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَبِكَسْرِ الْجِيمِ مَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا وَفِي اللُّغَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ أَعَمُّ فَيَصِحُّ ضَبْطُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالنَّقْضُ فِي الْجِسْمِ فَكُّ تَأْلِيفِهِ وَفِي غَيْرِهِ إخْرَاجُهُ عَنْ إفَادَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوُضُوءِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ خُرُوجُ نَجَسٍ أَنَّ النَّاقِضَ خُرُوجُهُ لَا عَيْنُهُ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الْخُرُوجَ عِلَّةُ الِانْتِقَاضِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى وَعَلَّلَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَفْسُهَا نَاقِضَةً لَمَا حَصَلَتْ طَهَارَةٌ لِشَخْصٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ تَحْتَ كُلِّ جِلْدَةٍ دَمًا لَكِنْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الظَّاهِرُ أَنَّ النَّاقِضَ النَّجَسُ الْخَارِجُ وَبَيَّنَهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ لِلنَّقْضِ وَالضِّدُّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ وَصِفَةُ النَّجَاسَةِ الرَّافِعَةُ لِلطَّهَارَةِ إنَّمَا هِيَ قَائِمَةٌ بِالْخَارِجِ، فَالْعِلَّةُ لِلنَّقْضِ هِيَ النَّجَاسَةُ بِشَرْطِ الْخُرُوجِ وَتَأَيَّدَ هَذَا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ «مَا الْحَدَثُ قَالَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ»
فَالْعِلَّةُ النَّجَاسَةُ، وَالْخُرُوجُ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، وَإِضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ أَوْلَى مِنْ إضَافَتِهِ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا قَالُوا مِنْ لُزُومِ عَدَمِ حُصُولِ طَهَارَةٍ لِشَخْصٍ عَلَى تَقْدِيرِ إضَافَةِ النَّقْضِ إلَى النَّجَاسَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ إلَّا لَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الْخُرُوجَ لَيْسَ شَرْطًا فِي عَمَلِ الْعِلَّةِ، وَلَا عِلَّةِ الْعِلَّةِ وَشَمَلَ كَلَامُهُ جَمِيعَ النَّوَاقِضِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ، وَهُوَ قِسْمَانِ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَخَارِجٌ مِنْ غَيْرِهِمَا فَالْأَوَّلُ نَاقِضٌ مُطْلَقًا فَتَنْقُضُ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ وَالذَّكَرِ وَالْفَرْجِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي السَّرَّاجِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ فَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الدُّودَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ فَرْجِهَا عَلَى الْخِلَافِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ يَكُونُ الدُّودَةُ نَاقِضَةً أَنَّهَا نَجِسَةٌ لِتَوَلُّدِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ فِيهَا طَرِيقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ النَّاقِضَ مَا عَلَيْهَا وَاخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ فِي الْحَصَاةِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ الرِّيحُ الْخَارِجَةُ مِنْ الذَّكَرِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمَا اخْتِلَاجٌ، وَلَيْسَ بِرِيحٍ خَارِجَةٍ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَتْ بِمُنْبَعِثَةٍ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالرِّيحُ لَا يَنْقُضُ إلَّا لِذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَيْنَهَا طَاهِرَةٌ حَتَّى لَوْ لَبِسَ سَرَاوِيلَ مُبْتَلَّةً أَوْ ابْتَلَّ مِنْ أَلْيَتَيْهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ الرِّيحُ فَخَرَجَ الرِّيحُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي بِسَرَاوِيلِهِ فَوَرَعٌ مِنْهُ كَذَا قَالُوا فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَدَخَلَ أَيْضًا مَا لَوْ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي دُبُرِهِ وَلَمْ يُغَيِّبْهَا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْبِلَّةُ وَالرَّائِحَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي شَرْحِ قَاضِي خان وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا غَيَّبَهُ نُقِضَ مُطْلَقًا، وَكَذَا الذُّبَابُ إذَا طَارَ وَدَخَلَ فِي الدُّبُرِ وَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ بِلَّةٍ لَا يَنْقُضُ وَكَذَا الْمِحْقَنَةُ إذَا أَدْخَلَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بِلَّةٌ لَا تَنْقُضُ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتَوَضَّأَ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِذَا أَقَطَرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا ثُمَّ عَادَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَقَنَ بِدُهْنٍ ثُمَّ عَادَ اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الثَّانِي اخْتَلَطَ الدُّهْنُ بِالنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْإِحْلِيلِ لِلْحَائِلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ النَّقْضِ قَوْلُهُ فَقَطْ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ لَا يَنْقُضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْإِحْلِيلُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَكُلُّ شَيْءٍ إذَا غَيَّبَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَوْ خَرَجَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَقَضَاءُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَاخِلًا مُطْلَقًا فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ وَكُلُّ شَيْءٍ إذَا أُدْخِلَ بَعْضُهُ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ مُطْلَقًا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ اهـ.
وَالْكُلِّيَّةُ الثَّانِيَةُ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الْبِلَّةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ احْتَشَتْ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَنَفَذَتْ الْبِلَّةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ
ــ
