هلك اهل العقدة
عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: بَيْنما أنا بالمدينةِ في المسجِدِ في الصفِّ المقدَّمِ قائمٌ أُصلِّي، فجذَبَني رجُلٌ مِن خلْفي فنحَّاني وقامَ مَقامي، فواللهِ ما عقَلتُ صلاتي، فلمَّا انصرَفَ فإذا أُبَيُّ بنُ كَعبٍ، فقال: يا فتى لا يسُؤْكَ اللهُ، إنَّ هذا عَهدٌ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلينا أنْ نلِيَه. ثمَّ استقبَلَ القِبْلةَ فقال: هلَكَ أهلُ العُقدةِ وربِّ الكَعْبةِ، وربِّ الكَعْبةِ؛ ثلاثًا، ثمَّ قال: واللهِ ما عليهم آسَى، ولكنِّي آسَى على مَن أَضَلُّوا. قلتُ: مَن تَعْني بهذا؟ قال: الأُمَراءُ.
الراوي : أبي بن كعب | المحدث : الدارقطني | المصدر : تاريخ دمشق | الصفحة أو الرقم : 49/434
| التخريج : أخرجه النسائي (808)، وابن خزيمة (1573) باختلاف يسير، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (49/434) واللفظ له.
التخريج : أخرجه النسائي (808) واللفظ له، وابن خزيمة (1573)، وابن حبان (2181) باختلاف يسير.
للصَّفِّ الأوَّلِ في صلاةِ الجماعةِ فضلٌ كبيرٌ، وثوابٌ عظيمٌ؛ فيَنبغي أن يَحرِصَ على التَّقدُّمِ إليه أهلُ الفَضلِ، وأصحابُ العقولِ، وذَوو الألبابِ المُتفقِّهونَ في الدِّينِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ قيسُ بنُ عبَّادٍ: “بَيْنَا أنا في المسجِدِ”، أي: بينَما أنا في مسجدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في المدينةِ، “في الصَّفِّ المُقدَّمِ”، أي: الصَّفِّ الأوَّلِ، “فجَبَذَني رجُلٌ مِن خَلْفي فنحَّاني”، أي: أمسَكَه وسحَبَه وأخرَجه مِن الصَّفِّ الأوَّلِ وأرجَعَه للصَّفِّ الخَلْفيِّ، “وقام مَقامي”، أي: وقَف مكانَه، قال قَيْسٌ: “فواللهِ ما عقَلْتُ صلاتي”، أي: لم يَخشَعْ فيها؛ لكثرةِ تَفكُّرِه فيما حدَث معه ورَدِّه للصَّفِّ الخَلْفيِّ، “فلمَّا انصرَف”، أي: انتهى مِن صَلاتِه هذا الرَّجلُ الَّذي سحَبَني وجرَّني مِن الصَّفِّ الأوَّلِ وقام مقامي، “فإذا هو”، أي: الرَّجُلُ الَّذي سحَبَه مِن الصَّفِّ: “أُبَيُّ بنُ كعبٍ” الأنصاريُّ الخَزْرَجِيُّ أحدِ حُفَّاظِ الصَّحابةِ وقُرَّائِهم الكِبارِ، فقال أُبَيُّ بنُ كعبٍ رَضِي اللهُ عَنه لقَيْسٍ مُطيِّبًا لخاطرِه: “يا فَتَى، لا يَسُؤْكَ اللهُ”، أي: لا يحزُنْكَ، ولا تَشعُرْ بالسُّوءِ، أو هو دُعاءٌ له بأن يُؤْمِنَه اللهُ تعالى مِن السُّوءِ، “إنَّ هذا”، أي: ما فعَلْتُ، “عَهْدٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلينا”، أي: وصيَّةٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه رَضِي اللهُ عَنهم، “أنْ نَلِيَه”، أي: نقِفَ في الصَّفِّ الَّذي خَلْفَه، وهو الصَّفُّ الأوَّلُ.
ثمَّ استقبَلَ أُبَيُّ بنُ كعبٍ القِبلةَ لتعظيمِ الأمرِ، فقال: “هلَكَ أهلُ العُقَدِ ورَبِّ الكعبةِ- ثلاثًا-“، أي: أصحابُ الولاياتِ، والأُمَراءُ على الأمصارِ؛ يقولُ ذلكَ ثلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ قال أُبَيُّ بنُ كعبٍ بعدَ ذلك: “واللهِ ما عليهم آسَى”، أي: ما أحزَنُ على أهلِ العُقَدِ وأصحابِ الوِلاياتِ؛ لأنَّهم أهلُ الظُّلْمِ والجَوْرِ، “ولكِنْ آسَى”، أي: أحزَنُ، “على مَن أضَلُّوا”، أي: على مَن اتَّبَعَهم على ضَلالتِهم.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن اتِّباعِ أهلِ الضَّلالةِ.
وفيه: وفاءُ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عَنهم، وعَملِهم بوصايا النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم .
[ ص: 346 ] جندب – أظنه : ابن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي وهو صحابي – عن أبي بن كعب رضي الله عنهما
1140 – أخبرنا زاهر بن أحمد الثقفي بأصبهان ، أن الحسين بن عبد الملك الخلال أخبرهم قراءة عليه ، أنا إبراهيم بن منصور ، أنا محمد بن إبراهيم بن علي ، أنا أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي ، نا الحسن بن عمر بن شقيق بن أسماء الجرمي ، نا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن أبي عمران الجوني ، قثنا جندب ، قال : أتيت المدينة ابتغاء العلم ، فإذا الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق حلق يتحدثون ، قال : فجعلت أمضي الحلق حتى أتيت حلقة فيها رجل شاحب عليه ثوبان ، كأنما قدم من سفر ، فسمعته يقول : هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة ولا آسى عليهم ، قالها ثلاث مرات ، قال : فجلست إليه ، فتحدث بما قضي له ، ثم قام ، فلما قام سألت عنه ، قلت : من هذا ؟ قالوا : أبي بن كعب سيد المسلمين ، فتبعته حتى [ ص: 347 ] أتى منزله ، فإذا هو رث المنزل ورث الكسوة ، يشبه بعضه بعضا ، فسلمت عليه ، فرد علي السلام ، ثم سألني : ممن أنت ؟ قلت : من أهل العراق ، قال : أكثر شيء سؤالا ، قال : فلما قال ذاك غضبت ، فجثوت على ركبتي ، واستقبلت القبلة ، ورفعت يدي ، فقلت : اللهم إنا نشكوهم إليك ، إنا ننفق نفقاتنا ، وننصب أبداننا ، ونرحل مطايانا ابتغاء العلم ، فإذا لقيناهم تجثموا لنا ، وقالوا لنا ، قال : يترضاني ، فبكى أبي وجعل يترضاني ، وقال : ويحك لم أذهب هناك ، ثم قال : إني أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمن بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أخاف فيه لوم لائم ، قال : فلما قال ذلك انصرفت عنه ، وجعلت أنتظر الجمعة لأسمع كلامه ، قال : فلما كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجاتي ، فإذا السكك غاصة من الناس ، لا آخذ في سكة إلا تلقاني الناس ، قلت : ما شأن الناس ؟ قالوا : نحسبك غريبا ، قلت : أجل ، قالوا : مات سيد المسلمين أبي بن كعب .
قال : فلقيت أبا موسى بالعراق فحدثته بالحديث ، فقال : والهفاه ، ألا كان بقي حتى تبلغنا مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ رحمه الله : أظن أن قوله : فرد علي السلام ، فيه لم يكن سماعا لنا ، والله أعلم .